وكيل الشيخ Admin
المساهمات : 117 تاريخ التسجيل : 04/10/2011
| موضوع: حواري الرسول والامير المقداد بن عمرو البهرائي الثلاثاء أكتوبر 04, 2011 10:59 pm | |
|
(إن الله مع الذين إتقوا * والذين هم محسنون) النحل: 128
المقداد بن عمرو البهرائي
المقداد بن عمرو البهرائي
هذا هو اسمه الحقيقي، واسم أبيه وقبيلته، فهو المقداد بن عمرو، بن ثعلبة، بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود (الإصابة ج 3 ص 454 - 455) البهرائي (نسبة إلى بهراء بن عمرو، بطن من قضاعة، كانت منازلهم شمالي الينبع إلى عقبة إيله، ثم جاوروا بحر القلزم). وله إسم آخر اشتهر به، وهو: المقداد بن الأسود الكندي وسبب ذلك، كان أبوه عمرو بن ثعلبة من شجعان بني قومه، يتمتع بجرأة عالية ربما لم تتهيأ لأحد غيره منهم، دفعته لأن يقتل أحد أبناء قومه، فاضطر إلى الجلاء عنهم حفاظا على نفسه، وحماية لها من طلب الثأر، فلحق بحضرموت (حضرموت، ناحية واسعة في شرقي عدن بقرب البحر). وحالف قبيلة كندة التي كانت تتمتع بهيبة مميزة من بين القبائل. وهناك تزوج امرأة منهم، فولدت له المقداد (الإصابة 3 / 454 - 455). نشأ الفتى في ظل أبيه ورعايته، وحنان أمه وعطفها، ضمن مجتمع ألف مقارعة السيف، ومطاعنة الرمح، فكانت الشجاعة إحدى سجاياه التي اتصف بها فيما بعد، حتى إذا بلغ سن الشباب أخذت نوازع الشجاعة والجرأة تدب في نفسه، فلم يكن هو الآخر أسعد حظا من أبيه، حيث اقترف ذنبا مع مضيفيه أخواله فاضطر إلى الجلاء عنهم أيضا. فقد ذكروا أنه: حين كبر المقداد وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي - أحد زعماء كندة - خلاف، فما كان من المقداد إلا أن تناوله بسيفه، فضرب رجله وهرب إلى مكة (الإصابة 3 / 454 - 455). حين وصل إلى مكة، كان عليه أن يحالف بعض ساداتها كي يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم، لكن طموحه كان يدفعه إلى اختيار الرجل القوي المرهوب الجانب، فكان يتريث في ذلك، وكان يقول: لأحالفن أعز أهلها! ولم يخنع ولم يضعف فحالف الأسود (الأسود بن عبد يغوث الزهري: كان من جبابرة قريش، وأحد كبار المستهزين برسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانوا خمسة، وقد كفى الله نبيه إياهم، فحين نزلت الآية *(إنا كفيناك المستهزئين)* أصيب الأسود هذا بالاستسقاء حتى هلك، أما الأربعة الباقية، فهم: الأسود بن عبد المطلب أبو لهب عم رسول الله، أصيب بالعمى. الوليد بن المغيرة كان قد جرح بأسفل قدمه جرحا قديما فانتقض عليه ومات. والعاص بن وائل، أصيب بشوكة في رجله فقتلته. والحارث بن طلالة امتخض رأسه قيحا فقتله. راجع السيرة لابن هاشم 2 / 41) بن عبد يغوث الزهري (المستدرك 3 / 248) فتبناه، وكتب إلى أبيه بذلك، فقدم عليه مكة. منذ ذلك اليوم صار إسمه المقداد بن الأسود، نسبة لحليفه، والكندي، نسبة لحلفاء أبيه. وقد غلب عليه هذا الاسم، واشتهر به، حتى إذا نزلت الآية الكريمة: *(ادعوهم لآبائهم)*( سورة الأحزاب (5))، قيل له: المقداد بن عمرو. وكان يكنى أبا الأسود، وقيل: أبو عمرو، وأبو سعيد، وأبو معبد. ومن أهم ألقابه: حارس رسول الله .
صفاته وخلاقه
كان فارغ الطول، أسمر اللون، صبيح الوجه، يصفر لحيته، كثير شعر الرأس، أبطن، ضخم الجثة، واسع العينين، مقرون الحاجبين، أقنى الأنف، جميل الهيئة، كما يستفاد ذلك من وصف ابنته له (قالت ابنته كريمة: كان رجلا طوالا، آدم أسمر أبطن، كثير شعر الرأس يصفر لحيته وهي حسنة، ليست بالعظيمة ولا بالخفيفة، أعين، مقرون الحاجبين أقنى، المستدرك 3 / 348). وكان فارسا شجاعا يقوم مقام ألف رجل على حد تعبير عمرو بن العاص (اليعقوبي 2 / 148)، وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) (المستدرك للحاكم النيسابوري ج 3 ص 348)، وهو أول فارس في الإسلام وكان من الفضلاء النجباء، الكبار، الخيار من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) (الاستيعاب ج 3 ص 473) سريع الإجابة إذا دعي إلى الجهاد حتى حينما تقدمت به سنه، وكان يقول في ذلك: أبت علينا سورة البحوث (هي سورة التوبة، ولها عشر أسماء، منها سورة البحوث، سميت بذلك لأنها تتضمن ذكر المنافقين والبحث عن سرائرهم، ومن أسمائها: الفاضحة.. الخ - راجع مجمع البيان 5 / 1)*(إنفروا خفافا وثقالا)*. وكان إلى جانب ذلك رفيع الخلق، عالي الهمة، طويل الأناة، طيب القلب صبورا على الشدائد، يحسن إلى ألد أعدائه طمعا في استخلاصه نحو الخير، صلب الإرادة، ثابت اليقين، لا يزعزعه شيء، ويكفي في ذلك ما ورد في الأثر: ما بقي أحد إلا وقد جال جولة إلا المقداد بن الأسود فإن قلبه كان مثل زبر الحديد (معجم رجال الحديث 18 / 315 و317)، وهو من الذين مضوا على منهاج نبيهم ولم يغيروا ولم يبدلوا (معجم رجال الحديث 18 / 315 و317). عظيم القدر، شريف المنزلة، هاجر الهجرتين، وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد، وتجمعت فيه (رضي الله عنه) أنواع الفضائل، وأخذ بمجامع المناقب من السبق، والهجرة، والعلم، والنجدة، والثبات، والاستقامة، والشرف، والنجابة (رجال بحر العلوم 3 / 345. (3) الإصابة 3 / 454 وكذلك في أسد الغابة 3 / 410). إسلامه الذي يظهر من مجمل النصوص أن المقداد كان من المبادرين الأوائل لاعتناق الإسلام، فقد ورد فيه: أنه أسلم قديما... وذكر ابن مسعود أن أول من أظهر إسلامه سبعة، وعد المقداد واحدا منهم وكان من الفضلاء النجباء. إلا إنه كان يكتم إسلامه عن سيده الأسود بن عبد يغوث خوفا منه على دمه، شأنه في ذلك شأن بقية المستضعفين من المسلمين الذين كانوا تحت قبضة قريش عامة، وحلفائهم وساداتهم خاصة، أمثال عمار وأبيه وبلال وغيرهم ممن كانوا يتجرعون غصص المحنة، فما الذي يمنع الأسود بن عبد يغوث من أن ينزل أشد العقوبة بحليفه إن هو أحس منه أنه قد صبا إلى دين محمد؟؟ سيما وأن الأسود هذا كان أحد طواغيت قريش وجباريهم، وأحد المعاندين لمحمد (صلى الله عليه وآله) والمستهزئين به وبما جاء، إنه - ولا شك - في هذا الحال لن يكون أقل عنفا مع حليفه من مخزوم مع حلفائها. لأجل هذا كان المقداد يتحين الفرص لانفلاته من ربقة الحلف الذي أصبح فيما بعد ضربا من العبودية المقيتة، ولونا من ألوان التسخير المطلق للمحالف يجرده عن كل قيمة، ويحرم معه من أبسط الحقوق. كيفية التحاق المقداد بالمسلمين يروى في السنة الأولى للهجرة قيضت له الفرصة لأن يلتحق بركب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وأن يكون واحدا من كبار صحابته المخلصين. فقد عقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمه حمزة لواءا أبيض في ثلاثين رجلا من المهاجرين ليعرضوا عير قريش، وكان هو وصاحب له، يقال له: عمرو بن غزوال لا زالا في صفوف المشركين، فخرجا معهم يتوصلان بذلك، فلما لقيهم المسلمون انحازا إليهم ، فكانت بداية الجهاد الطويل! وروي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد بعث عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب على رأس سرية قوامها ستون رجلا، حتى بلغ ماء الحجاز بأسفل ثنية المرة، فلقي جمعا من مشركي قريش قوامهم حوالي المائتين رجلا وكان من بينهم المقداد وصاحب له وهو عمرو بن غزوان المازني، وكانا مسلمين يكتمان إسلامهما، وكان على المشركين عكرمة بن أبي جهل، فلما التقى الجيشان تراموا بالنبل، ولم يقع بينهم حرب السيوف، فظن المشركون أن للمسلمين مددا وكمائن، فخافوا وانهزموا. ولم يتبعهم المسلمون. فانحاز يومئذ المقداد وعمرو بن غزوان إلى المسلمين والتحقوا بهم. وإنما خرجا مع المشركين لغرض أن يتوصلا إلى المسلمين عن طريقهم. كانت هذه السرية على رأس ثمانية أشهر من السنة الأولى للهجرة بعدها شهد المقداد في ذلك العام المشاهد كلها. كان المقداد رجلا ضخما، أسمر اللون، طويل القامة، شجاعا، وكان قديم الإسلام، ولم يقدر على إظهار إسلامه، ولا على الهجرة خوفا من حلفائه.
التحاق المقداد بالمسلمين في يثرب خلال السنة الأولى للهجرة كان المقداد لا يزال - هو وبعض المستضعفين - في مكة، تحت هيمنة طغاة قريش وجبابرتها، وليس من السهل أن يغادرها إلى المدينة، سيما وإنه حليف للأسود بن عبد يغوث - أحد طغاتها - فإنه لو فعل لكان مصيره التعذيب والقتل دون أدنى شك، لذلك كان يترقب فرصة سانحة تمكنه معها الفرار إلى يثرب، واللقاء بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والالتحاق بركبه، حتى كانت سرية حمزة بن عبد المطلب - وفي رواية - سرية عبيد الله بن الحارث بن عبد المطلب، وكان معها نجاته وخلاصه، فقد خرج هو ومعه عمرو بن غزوان، مع المشركين ليوهماهم بأنهما يريدان القتال معهم، وهكذا انحازا إلى سرية حمزة ورجعا معه إلى المدينة. وكان نزوله وصاحبه في المدينة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي ضيافته. والذي يظهر أن المقداد كان من جملة أولئك الوافدين المهاجرين الجدد، وكان عددهم لا يستهان به. فقد ذكر أحمد بن حنبل بسنده عن المقداد، قال: لما نزلنا المدينة، عشرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشرة عشرة في كل بيت؟ قال: فكنت في العشرة الذين كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) (الاستيعاب (على هامش الإصابة) ج 3 ص 476). وهذا موقف للمقداد مع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) يتجلى فيه عظمة الإسلام، ونبيه الكريم، وهو من المواقف التي تبين قيمة الشهادة، ونبل الكلمة، وسمو الخلق، وغرس الروح الانضباطية لدى المسلم. فقد سأل النبي (صلى الله عليه وآله) ذات مرة: يا رسول الله، أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار، فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، ونطق بالشهادة، أفأقتله؟ بعد أن تشهد؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقتله. قال: فقلت: يا رسول الله، إنه قطع يدي؟ ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تقتله. ويلاحظ هنا مدى ارتقاء الإسلام بالنفس البشرية إلى أعالي قمم الكرامة والإنسانية، كلمة واحدة من لسان صادق كفيلة فإنقاذ حياة صاحبها من موت محتم. غزوة الغابة (غزوة الغابة: وقعت في السنة السادسة للهجرة - وتسمى أيضا غزوة ذي قرد) الغابة: موضع بالقرب من المدينة من جهة الشام، فيه شجر كثيف ومرعى خصب للإبل، وكان للنبي فيها عشرون لقحة (اللقحة: الواحدة من الإبل الحامل، ذات اللبن، جمعها: لقاح). وفي ذات يوم استأذن أبو ذر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يذهب إلى تلك الإبل ليحتلبها ويغدو بلبنها إليه، فقال له (صلى الله عليه وآله): إني أخاف عليك من هذه الضاحية أن تغير عليك، ونحن لا نأمن عن عيينة بن حصن وذويه، وهي في طرف من أطرافهم. فألح عليه أبو ذر فقال: يا رسول الله إإذن لي. فلما ألح عليه قال (صلى الله عليه وآله) لكأني بك وقد قتل ابنك، وأخذت امرأتك، وجئت تتوكأ على عصاك (قال أبو ذر: كان والله على ما قال رسول الله (ص).). يقول أبو ذر: والله إنا لفي منزلنا، ولقاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد روحت وصليت، فما كان الليل حتى أحدق بنا عيينة بن حصن في أربعين فارسا، فصاحوا بنا وهم قيام على رؤوسنا فأشرف لهم ابني فقتلوه، وكانت معه امرأته وثلاثة نفر فنجوا، وتنحيت عنهم، وشغلهم عني إطلاق عقل اللقاح (1) ثم صاحوا في أدبارهم، وساقوها أمامهم: ونترك لأبي معبد - المقداد - يكمل القصة: قال المقداد بن عمرو: لما كانت ليلة السرح، جعلت فرسي لا يقر لها قرار فقلت والله إن لها شأنا: فلما طلع الفجر أسرجتها ولبست سلاحي، وخرجت حتى صليت الصبح مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم أر شيئا، ودخل النبي (صلى الله عليه وآله) بيته ورجعت إلى بيتي، وفرسي لا يقر له قرار، فوضعت سرجها وسلاحي واضطجعت، فأتاني آت فقال: أن الخيل قد صيح بها. وكان سلمة بن الأكوع قد غدا قاصدا الغابة ليأتي بلبن اللقاح إلى النبي، فأخبر أن عيينة بن حصن قد أغار في أربعين فارسا على لقاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذها. العقل: ما يربط به الإبل. قال سلمة: رجعت على فرسي إلى المدينة مسرعا حتى وافيت على ثنية الوداع (ثنية الوداع: مدخل المدينة من طريق مكة) فصرخت بأعلى صوتي: يا صباحاه! ثلاثا، ثم ناديت الفزع؟ الفزع؟ ثلاثا، ثم وقفت على فرسي حتى طلع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحديد مقنعا، ثم أقبل المقداد بن عمرو بكامل سلاحه عليه الدرع والمغفرة، شاهرا سيفه، فعقد له رسول الله (صلى الله عليه وآله) لواءا في رمحه، وقال: أمض حتى تلحقك الخيول، ونحن على أثرك. قال المقداد: فخرجت وأنا أسأل الله الشهادة حتى أدرك أخريات العدو، فأدركت مسعدة (مسعدة أحد شجعان المشركين) فطعنته برمح فيه اللواء، فزل الرمح وعطف علي بوجهه فطعنني، وأخذت الرمح بيدي فكسرته، وأعجزني هربا، ولحقني أبو قتادة معمما بعمامة صفراء على فرس له، فسايرته ساعة ونحن نريد اللحوق بمسعدة، فاستحث أبو قتادة فرسه فسبقني إليه فكان فرسه أجود من فرسي حتى غاب عني فلا أراه، ثم لحقته فإذا هو قد قتل مسعدة، وسجاه ببردة. قال سلمة بن الأكوع: خرجت في الأثر حتى لحقت بهم، فجعلت أرميهم بالنبل وأقول خذها مني وأنا ابن الأكوع. ثم توافت الخيل منهم المقداد بن عمرو، وأبو قتادة، ومعاذ بن ماعص، وسعد بن زيد، وأبو عياش الرزقي، ومحرز بن نضلة، وعكاشة بن محصن، وربيعة بن أكثم، ولم تزل الإمدادات تترى، حتى انتهوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذي قرد، فاستنقذوا عشر لقائح، وأفلت القوم بما بقي من اللقاح وهي عشرة. وقتل في هذه المعركة من المسلمين واحد، وهو محرز بن نضلة قتله مسعدة، وفي أول الهجوم قتل ذر ابن أبي ذر. وقتل من المغيرين المشركين خمسة، مسعدة بن حكمة، قتله أبو قتادة، وأوثار وابنه عمرو بن أوثار، قتلهما عكاشة بن محصن، وحبيب بن عيينة كان على فرس له، قتله المقداد بن عمرو، وكذلك فرقة بن مالك قتله المقداد أيضا. ومما قيل في هذه الغزوة - قول حسان بن ثابت - شاعر النبي (صلى الله عليه وآله) قصيدته التي مطلعها: لولا الذي لاقت ومس نسورها * بجنوب ساية أمس في التقواد وانتهت هذه الغزوة والاعتداء، بهزيمة المغيرين وقتل خمسة من شجعانهم وقعت هذه الغزوة في السنة السادسة من الهجرة وتسمى أيضا غزوة ذات قرد. غزوة خيبر لم نعثر للمقداد في غزوة خيبر موقفا جليا ولا ذكر إسمه في المبارزة. غير أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزع الغنائم على المميزين من أصحابه وزوجاته وأهل بيته، فكانت للمقداد خمسة عشر وسقا من الشعير، وكمية الوسق حينذاك حمل بعير، أو ما يعادل ستين صاعا. سرية نخلة (سميت باسم المكان (قرية قريبة من المدينة) بعد سبعة عشر شهرا من الهجرة أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يستطلع أخبار قريش، ويتحسس تنقلاتهم، ويرصد تحركاتهم في المنطقة. فدعى عبد الله بن جحش، وأمره أن يوافيه بكامل سلاحه. قال: فدعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلمني صحيفة من الأديم وقال: استعملتك على هؤلاء النفر، فامض حتى إذا سرت ليلتين، فانشر كتابي، ثم اعمل بما فيه. قلت: يا رسول الله، أي ناحية أسير؟ فقال: اسلك النجدية، تؤم ركية بئر . فانطلق عبد الله، حتى إذا صار ببئر ضمرة نشر الكتاب فإذا فيه: سر حتى تأتي بطن نخلة على إسم الله وبركاته، ولا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك، وامض لأمري فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة فترصد عير قريش. فقرأ عبد الله الكتاب على أصحابه، ثم قال: لست مستكرها منكم أحدا، فمن كان يريد الشهادة، فلميض لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن أراد الرجعة، فمن الآن. فقالوا جميعا: نحن سامعون ومطيعون لله ولرسوله ولك، فسر على بركة الله حيث شئت. وكان فيهم المقداد، وواقد بن عبد الله. فسار حتى جاء نخلة، فوجد عيرا لقريش فيها عمرو بن الحضرمي، والحكم بن كيسان، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وعثمان بن عبد الله، ونوفل بن عبد الله وهم من بني مخزوم. فخرج واقد بن عبد الله يقدم أصحابه، فوضع سهمه في كبد قوسه وكان لا يخطئ رميته، فرمى عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله. واسر عثمان بن عبد الله، وحكم بن كيسان، وأفلت نوفل بن عبد الله. واستاق المسلمون العير والأسرى إلى المدينة. وكان المقداد هو الذي أسر الحكم بن كيسان، وأنقذه من القتل يقول المقداد: أراد أمير الجيش أن يضرب عنقه، فقلت: دعه نقدم به على رسول الله (صلى الله عليه وآله). فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعوه إلى الإسلام، فأطال معه الكلام. فقال عمر بن الخطاب: تكلم هذا يا رسول الله؟ والله لا يسلم هذا آخر الأبد! دعني أضرب عنقه، ورفض النبي (صلى الله عليه وآله) قول عمر. قال الحكم: ما الإسلام؟ قال (صلى الله عليه وآله): تعبد الله وحده لا شريك له، وتشهد أن محمد عبده ورسوله. قال: أسلمت. فالتفت النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أصحابه، فقال: لو أطعتكم فيه آنفا فقتلته دخل النار. قال عمر: وقد رأيته أسلم، وأخذني ما تقدم وتأخر. وهكذا ببركة المقداد أسلم الرجل وحسن إسلامه.
موقف المقداد في بدر
وكان المسلمون قلة ضئيلة في قبال خصمهم، ولم يكن لهم تجربة الحرب بعد، ومع ذلك فقد خف البعض منهم سراعا، بينما تثاقل البعض الآخر ظنا منهم بأن النبي لا يلقى حربا، فكان عدد المقاتلين من المهاجرين والأنصار يزيد على الثلثمائة مقاتل قليلا. أما أبو سفيان، فحين بلغه تأهب المسلمين للقائه، دب الذعر في قلبه وساوره قلق شديد على مصير القافلة، فاتجه بالعير نحو الساحل تاركا بدرا إلى يساره حتى نجا بها، عند ذلك أرسل قيس بن امرؤ القيس إلى القرشيين يأمرهم بالرجوع، ويقول لهم: قد نجت عيركم وأموالكم، فلا تحرزوا أنفسكم أهل يثرب فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك، إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم وقد نجاهم الله؟! وكان أبو سفيان قد أنفذ ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستصرخ أهلها، وينذرهم، بقوله: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة... أموالكم مع أبي سفيان، قد تعرض لها محمد وأصحابه ولا أرى أن تدركوها، ألهب ضمضم مشاعر قريش بندائه، فتجهز الناس سراعا، وأقامت قريش ثلاثا تتجهز، أخرجت أسلحتها، وأعان قويهم ضعيفهم، وغنيهم فقيرهم، ولم يتخلف عن الخروج من أشرافهم أحد إلا أبو لهب، وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة: وكان أبرز مظاهر هذه الحرب فقدان التوازن العسكري والمادي بين الفريقين، فقد كان عدد المسلمين ثلثمائة وثلاثة عشر مقاتلا بينما عدد المشركين يتراوح بين تسعمائة وألف رجل. وقاد المشركون معهم مائة فرس وسبعمائة رأس من الإبل بينما قاد المسلمون معهم فرسا واحدا للمقداد بن عمرو وسبعين رأسا من الإبل يتعاقبون على كل واحد منها الإثنان، والثلاثة، والأربعة، حتى أن النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وزيد بن حارثة يتعاقبون على بعير واحد. ولما وصل (صلى الله عليه وآله) قريبا من بدر، أخبر بمسير قريش، فأخبر أصحابه بذلك واستشارهم في الأمر ليكونوا على بصيرة من ذلك، وخشي أن لا يكون للأنصار رغبة في القتال، لأنهم عاهدوه على أن يدافعوا عنه في بلدهم فيمنعونه مما يمنعون منه أنفسهم. وكان الموقف في غاية الدقة والحرج، منهم من يثبط ومنهم من يشجع ويعزم. ووقف عمر بن الخطاب وقال: يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها وجبروتها، والله ما ذلت منذ أن عزت، ولا آمنت منذ أن كفرت إلى آخر ما تكلم به ثم أردفه أبو بكر مؤيدا لقول صاحبه، فقال لهما اجلسا (سيرة المصطفى / 339). واشتد الموقف حيرة وحرجا، نظرا لفقدان التوازن كما أسلفنا، والموقف يتطلب مزيدا من الثبات والإقدام وبث الروح الجهادية بين الصفوف والتسليم المطلق بما يراه النبي ويأمر به. فقام المقداد وقال بكل عزم: يا رسول الله اقض لأمر الله فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: *(فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)*، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الضماد لسرنا معك. وبهذه الكلمة غير الموقف وأعطى المقاتلين عزما وإقداما، فقال له رسول الله خيرا ودعا له (سيرة سيرة المصطفى / 339، رجال بحر العلوم ج 3 ص. 345 (2) الكامل لابن الأثير ج 2 ص 120، سيرة المصطفى / 340). ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشيروا علي أيها الناس. فقام سعد بن معاذ سيد الأوس وزعيمها والناطق عن الأنصار وقال: كأنك تريدنا يا رسول الله؟ فقال (صلى الله عليه وآله): نعم. قال سعد: قد آمنا بك - يا رسول الله - وصدقناك وأعطيناك عهودنا، فامض - يا رسول الله - لما أمرت، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك، وما نكره أن تلقى العدو بنا غدا، وإنا لصبر عند الحرب، صدق عن اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله . كانت كلمات المقداد المهاجري - وسعد الأنصاري - تبعث في نفوس المسلمين الأمل بالنصر على عدوهم الجبار، وتزرع في قلوبهم الصبر على تحمل مكاره الحرب. لكن يبدوا أن كلمات المقداد كان لها وقع خاص في نفس النبي (صلى الله عليه وآله) فإنه حين سمعها انفرجت أسارير وجهه ابتهاجا كما يظهر من حديث ابن مسعود حيث قال: لقد شهدت مع المقداد مشهدا لئن أكون صاحبه أحب إلي مما طلعت عليه الشمس! - ثم ذكر كلمة المقداد - وقال: فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشرق وجهه بذلك وسره وأعجبه (الاستيعاب ج 3 ص 474). بعد ذلك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيروا بنا على بركة الله، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر مصارع القوم. ثم مضى في مسيره حتى نزل وادي بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشر ليلة مضت من شهر رمضان. واشتد القتال وحمي الوطيس، وفي أول جولة من المبارزة قتل صناديد قريش وهم عتبة، وشيبة، والوليد، وما انجلت الحب حتى قتل سبعون طاغية من صناديد قريش وشجعانهم، واسر مثلهم، فانهزم الجمع وولوا الدبر، وقد استشهد من المسلمين أربعة عشر صحابيا، تجد ذلك مفصلا في أبواب أخرى من هذا الكتاب. وكان المقداد قد أسر النضر بن الحارث، فلما خرج النبي (صلى الله عليه وآله) من بدر وقبل أن يصل المدينة، عرض عليه الأسرى، فنظر إلى النضر بن الحارث فأمده البصر، فقال لرجل إلى جنبه: محمد والله قاتلي! لقد نظر إلي بعينين فيهما الموت! فقال الذي إلى جنبه: والله ما هذا منك إلا الرعب. فقال النضر لمصعب بن عمير: يا مصعب، أنت أقرب من هاهنا بي رحما كلم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابي أن قتلوا قتلت، وأن من عليهم من علي، هو والله قاتلي أن لم تفعل. قال مصعب: إنك كنت تقول في كتاب الله كذا وكذا، وتقول في نبيه كذا وكذا. وكنت تعذب أصحابه وتفعل الأفاعيل بهم. ثم أمر النبي (صلى الله عليه وآله) عليا أن يضرب عنقه (شرح النهج ج 14 ص 171) صاح المقداد بأعلى صوته: يا رسول الله، أسيري؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم اغن المقداد من فضلك، ثم ضرب علي عنقه (شرح النهج ج 14 ص 171) وبدأ تقسيم الغنائم، فكان لكل مسلم سهم ما عدا المقداد، فكان له سهمان سهم له، وسهم لفرسه. انتهت معركة بدر الكبرى بانتصار المسلمين وخذلان جبابرة المشركين فكانت المنعطف الخطير في تاريخ الدعوة الإسلامية.
في أحد
لم أعثر في بطون الكتب على دور مهم للمقداد بن عمرو بن في معركة أحد إلا إنه كان من الرماة، ومنهم: سعد بن أبي وقاص، والسائب بن عثمان بن مضعون، والمقداد بن عمرو، وزيد بن حارثة: إلى آخره (المغازي للواقدي ج 1 ص 243). واتفقت مصادر التاريخ، إن المقداد بن عمرو كان من الرماة المشهورين، وقام بدور فعال يوم أحد، بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) كأمثال عكاشة بن محصن، وسعد بن أبي وقاص، والسائب بن عثمان بن مضعون، وزيد بن حارثة، وحاطب بن أبي بلتعة، وعتبة بن غزوان، وخراش بن الصمة، وقطبة بن عامر، وقتادة بن النعمان (المغازي للواقدي ج 1 ص 243)، ولم يكن من الرماة الذين عينهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قمة الجبل كما أمر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) يوم أحد على الخير الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو وصمدوا أمام هجوم خالد بن الوليد. وعكرمة بن أبي جهل في جيش المشركين فهزموهم (الكامل لابن الأثير ج 2 ص 152).
موقف المقداد من الشورى
لما أيقن عمر بن الخطاب الموت ودنو أجله، وحرصا منه على تنفيذ المخطط والمؤامرة التي دبرت قبل يوم السقيفة في إبعاد علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن الخلافة، وتمكين بني أمية منها في شخص عثمان بن عفان وضمانا لتتمة مركز الخلافة . جعل أبا طلحة الأنصاري على خمسين رجلا لتنفيذ الخطة بالقوة، كما عين المقداد مشرفا من قبل المهاجرين في خطة محكمة محبوكة. وأوصى المقداد بن عمرو بقوله، إذا وضعتموني في حفرتي، فاجمع هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم (العقد الفريد ج 4 ص 275، الكامل ج 3 ص 67). وبعد الانتهاء من مراسيم الدفن جمع المقداد أعضاء مجلس الشورى الستة، وهم علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن أبي عبيدة، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، ووقف أبو طلحة الأنصاري على الباب في خمسين رجلا متقلدين سيوفهم لتنفيذ خطة عمر.وجعل الكفة التي فيها عبد الرحمن بن عوف إذا تساوت، لأنه يعلم إنه عبد الرحمن يميل إلى عثمان لمصاهرة بينهما، كما أن طلحة كان من الحاقدين على علي، وسعد بن أبي وقاص انتهازي يريد النار لقرصه أو يميل مع الذي يأمل منه شيء، ويميل لبني أمية. كان الناس فريقين. فريق يريدها لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو الفريق المتمثل ببني هاشم وشيعة علي أمثال عمار بن ياسر، والمقداد بن عمرو. وفريق يريدها لعثمان بن عفان، وهو المتمثل بابن سرح، وابن المغيرة وبقية بني أمية وأتباعهم. وتعالت الأصوات في هذه الحال كل فريق ينادي باسم صاحبه. أقبل المقداد على الناس فقال: أيها الناس اسمعوا ما أقول: أنا المقداد بن عمرو، إنكم إن بايعتم عليا سمعنا وأطعنا، وإن بايعتم عثمانا سمعنا وعصينا! فقام عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وقال: أيها الناس، إنكم إن بايعتم عثمانا سمعنا وأطعنا، وإن بايعتم عليا سمعنا وعصينا! فانتفض المقداد ورد عليه فقال: يا عدو الله، وعدو رسوله، وعدو كتابه، متى كان مثلك يسمع له الصالحون؟ . فقال له عبد الله، يا بن الحليف العسيف، ومتى كان مثلك يجترئ على الدخول في أمر قريش؟ وصاح عبد الله بن أبي سرح: أيها الملأ إن أردتم أن لا تختلف قريش فيما بينها، بايعوا عثمان! . فنهض عمار بن ياسر وقال: إن أردتم أن لا يختلف المسلمون فيما بينهم فبايعوا عليا ، ثم أقبل على ابن أبي سرح وقال له: يا فاسق يا بن الفاسق، أأنت ممن يستنصحه المسلمون أو يستشيرونه في أمورهم؟ فتكلم بنو هاشم وبنوا أمية، فقام عمار بن ياسر فقال: أيها الناس إن الله أكرمكم بنبيه وأعزكم بدينه، فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم (شرح النهج ج 9 ص 52)؟ كانت أصوات الفريقين تعجل في حسم الأمر خوفا من وقوع الفتنة على الخطة التي رسمها عمر. ولما بويع لعثمان بالخلافة، عبر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن عدم رضاه لهذه النتيجة، لكنه سلم بالأمر الواقع، قائلا: لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة . وفي رواية الطبري: إن عليا (عليه السلام) قال حين بويع عثمان: ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون؟ وقال لعبد الرحمن: والله ما وليته الأمر إلا ليرده إليك، كما فعلها صاحبك من قبل، والله كل يوم في شأن. فقال عمار: يا عبد الرحمن، أما والله لقد تركته، وأنه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون. وقال المقداد: تالله ما رأيت مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم، واعجبا لقريش! لقد تركت رجلا ما أقول ولا أعلم أن أحدا أقضى بالعدل، ولا أعلم، ولا أتقى منه؟ أما والله لو أجد أعوانا... الخ. فقال عبد الرحمان: إتق الله يا مقداد، فإني خائف عليك الفتنة. فالتفت الإمام علي (عليه السلام) نحو المقداد وعمار، وقال مسليا ومهدئا. إني لأعلم ما في أنفسهم، إن الناس ينظرون إلى قريش، وقريش تنظر في صلاح شأنها فتقول: إن ولي الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبدا. وما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش (شرح النهج ج 9 ص 194).
خلفيات الشورى
ذكروا: إن معاوية بعث إلى ابن الحصين (ابن الحصين: هو عمران بن حصين الخزاعي، أسلم عام خيبر، وغزا غزوات وكان صاحب راية خزاعة يوم الفتح - أي فتح مكة مع النبي (صلى الله عليه وآله) كما في الإصابة) ليلا فخلا به وقال له: يا ابن الحصين، بلغني أن عندك ذهنا وقادا، فأخبرني عن شيء أسألك عنه. قال: سلني ما بدا لك. قال: أخبرني ما الذي شتت أمر المسلمين وفرق [جمعهم] وأهوائهم؟ قال: قتل الناس عثمان؟ قال: ما صنعت شيئا؟ قال: فمسير علي إليك وقتاله إياك؟ قال: ما صنعت شيئا؟ قال: فمسير طلحة والزبير وعائشة، وقتال علي إياهم... [قتالهم علي في البصرة]؟ قال: ما صنعت شيئا. قال: ما عندي غير هذا. قال معاوية: فأنا أخبرك، أنه لم يشتت أمر المسلمين، ولا فرق أهوائهم، ولا خالف بينهم إلا الشورى التي جعلها عمر إلى ستة... فلم يكن رجل منهم إلا رجاها لنفسه، ورجاها له قومه، وتطلعت إلى ذلك نفسه، ولو أن عمر استخلف عليهم كما استخلف أبو بكر، ما كان في ذلك اختلاف (العقد الفريد ج 4 ص 281). وهذا هو الواقع كما حلله معاوية.
ولادته ووفاته
ولد المقداد بن عمرو في حضر موت في بني كندة (أخواله) عام 24 قبل البعثة. وكانت وفاته في سنة 33 للهجرة، بعد أن شهد فتح مصر، وقد بلغ من العمر سبعين عاما (الإصابة 3 / 454، وتهذيب الأسماء 2 / 112، والغدير 9 / 116). وقد ورد في ذلك أنه شهد المشاهد كلها مع رسول (صلى الله عليه وآله) وبعده إلى أن أدركته الوفاة (الإصابة 3 / 454، وتهذيب الأسماء 2 / 112، والغدير 9 / 116). فقد كانت له أرض بالجرف بالقرب من المدينة، وكان يتعاهدها زراعة وسقيا ويقضي فيها أوقات فراغه، وذات يوم تناول جرعة من زيت الخروع فأضرت به، فمات منها (الطبقات الكبرى لابن سعد 3 / 163)، فنقل على أعناق الرجال حيث دفن بالبقيع (الإصابة وغيرها)، وكان قد أوصى إلى عمار بن ياسر، فصلى عليه ولم يؤذن عثمان به، فلما بلغ عثمان موته، جاء حتى أتى قبره، فقال: رحمك الله، إن كنت وإن كنت يثني عليه خيرا! فقال الزبير بن العوام: لألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادي (الطبقات 3 / 163، واليعقوبي 2 / 171) يا زبير، تقول هذا؟! أتراني أحب أن يموت مثل هذا من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) وهو علي ساخط (سفينة البحار مادة قدد)؟! وكان عمار قد صلى على ابن مسعود من قبل ولم يؤذن به عثمان، وذلك بوصية منه، فساءه ذلك واشتد غضبه على عمار بن ياسر، وقال: ويلي على ابن السوداء! أما لقد كنت به عليما (اليعقوبي 2 / 171). فسلام عليه يوم ولد ويوم أسلم وجاهد ويوم مات ويوم يبعث حيا.
مصادر البحث القران الكريم موسوعة الامام علي في الكتاب والسنة والتاريخ سلسلة الأعلام من الصحابة والتابعين معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج 18 ص 314. الاستيعاب ج 3 ص 472. أسد الغابة ج 4 ص 409. الأعلام للزركلي ج 7 ص 282. الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ص 221. سلسلة الأركان الأربعة لمحمد جواد الفقيه. الغدير 9 / 116. الإصابة 3 / 454. الطبقات الكبرى 3 / 163. تاريخ اليعقوبي 2 / 147 - 171. سيرة المصطفى: 339. شرح النهج 14 / 171. الكامل لابن الأثير 2 / 120. مستدرك الحاكم 3 / 348.
| |
|